recent
أخر الأخبار

أربع سنوات على الرحيل. ولم يغيب عن القلوب : الدكتور أبوبكر راسم:


أربع سنوات على الرحيل. ولم يغيب عن القلوب : الدكتور أبوبكر راسم:

الدكتور أبوبكر راسم: حين يكون العلم حياة، ويكون الطبيب إنسانًا

بقلم/ يحيى  يحيى 

في مثل هذا اليوم، وقبل أربع سنوات، توقف قلبٌ من  أحب الوطن بصدق، وخفق للعلم كما يخفق للحياة، وانطفأ وجهٌ لطالما كان منارةً للمعرفة، وبسمةً في ممرات الجامعات والمستشفيات.

في 21 يونيو 2021، غادرنا الأستاذ الدكتور أبوبكر حسين راسم، رائد جراحة الفم والوجه والفكين في اليمن، الإنسان الذي لم يكن مجرد طبيب أو أكاديمي، بل كان حلما يسير على قدمين، وحكايةً ممتدة من العطاء، تروى بكل لغات الحب والاحترام.

درس 17 عامًا بعد الثانوية... ولم يكن يطلب إلا أن يُضيء

ليس سهلًا أن يدرس الإنسان 17 عامًا دون توقف، بعد الثانوية العامة، في زمنٍ ومكان لم تكن فيه طلبات العلم ميسّرة. لكن الدكتور أبوبكر فعلها، لا من أجل الشهادات أو المجد الشخصي، بل من أجل أن يعود إلى وطنه حاملًا مشاعل العلم، ليعلّم، ويداوي، ويُربّي أجيالًا من الأطباء.

من جامعة برنو في جمهورية التشيك، عاد حاملًا شهادة الدكتوراه في جراحة الوجه والفكين وزراعة الأسنان، لكنه عاد أيضا بروح مملوءة بالحلم، وبقلب يؤمن أن الإنسان يُقاس بعلمه، وبما يقدمه لمن حوله.

باني الكليات... ومهندس الحلم الأكاديمي

حين عاد إلى اليمن، لم ينتظر المناصب ولا الألقاب. ذهب إلى حيث الحاجة: فأسس كلية طب الأسنان في جامعة الحديدة، وكان حجر الأساس فيها، وعميدها، ومدرّسها، وسقفها الإنساني والأكاديمي.

ثم وضع اسمه أيضا في سجل المؤسسين لكلية طب الأسنان في جامعة العرب بالمكلا، فارتفعت القاعات والمختبرات على عزيمته، لتصبح صرحًا جامعيًا نفتخر به اليوم.

كان يُخطط ويبني وهو يعلم أن التعليم لا يُقاس بالجدران، بل بالعقول التي تنمو، وبالأيادي التي تُمسك المشرط لأول مرة، وتقول: "علّمني د. أبوبكر كيف أكون إنسانًا قبل أن أكون طبيبًا."

قلبه للناس... وعقله للعلم

قلبه للناس... وعقله للعلم

لم يكن د. أبوبكر مجرد شخصية علمية، بل كان كتلة من التواضع. لم يغلق بابه يومًا في وجه طالب أو مريض، ولم يعرف الغضب إلا على من يفرّط في أخلاقيات المهنة.

كان يرى في الطب رسالة أخلاقية، وفي التعليم أمانة سماوية، وكان يردّد دائمًا: "نحن لا نُدرّس طب الأسنان... نحن نشكّل أطباء بقلوب بيضاء."

في مكاتب النقابات، في لجان التأسيس، في المؤتمرات، في كل ندوة طبية داخل اليمن أو خارجها، كان حضوره رصينا، مؤثرا، ومُلهِما. لم يتردد في دعم أي مبادرة علمية، وكان أول من يفتح جيبه ووقته وخبرته من أجل فكرة أو مشروع يعود بالنفع على الطلاب أو المرضى.

شهيد الواجب... وإنسانيته لا تموت

حين اجتاح فيروس كورونا البلاد، كان يمكنه أن يبتعد، أن يعتذر، أن يختار السلامة. لكنه بقي في الميدان... بين طلابه، وبين مراجعيه، وبين من يحتاج إليه، حتى التقط الفيروس جسده، لكنه لم يقترب من روحه. رحل، لكنه بقي.

بقي في دفاتر الطلاب الذين كتبوا أول سطر في طب الفم بيده، بقي في كل قاعة درّس فيها، وفي كل بوستر علمي كان اسمه مشرفًا عليه . وفي كل كلمة طيبة خرجت منه، لتضيء يومًا قاتما لأحدهم.

بصماته العميقة لا تمحى

إنجازات الدكتور أبوبكر راسم ليست مجرد سطور في سيرة ذاتية، بل هي صفحات مشرقة من تاريخ طب الأسنان في اليمن.

عضويته في الرابطة الأوروبية والعربية لجراحة الوجه والفكين جعلت منه همزة وصل بين اليمن والعالم.. مساهمته في تطوير الأداء الأكاديمي في جامعة الحديدة ساعدت على تحسين جودة التعليم الجامعي.

دعمه للندوات والتدريب في الجامعات العربية فتح الأفق لعشرات الطلاب اليمنيين والعرب. كان يؤمن أن ما نزرعه في طلابنا هو ما سنجنيه غدا كأمة. لذلك، كان شديدًا على نفسه، رحيما بطلابه، صلبا في المبدأ، ليّنا في المعاملة.

شهادات الحياة... لا تُعلّق على الجدران

قد نحصي ألقابه : أستاذ دكتور. مؤسس كليات. طب الأسنان في جامعة الحديدة، و طب الأسنان في جامعة العرب بالمكلا، استشاري جراحة وزراعة الأسنان . و عضو في كبريات الروابط الطبية العالمية.

لكن الألقاب لا تروي الحكاية. الناس ترويها...

طلابه يروونها بامتنان، وزملاؤه يروونها بإعجاب، وأحباؤه يروونها بشوق. ما زال فينا... أربعة أعوام مرّت، وما زال فينا الدكتور أبوبكر راسم. في قلوبنا، في أحلام طلابه، في كل من قرأ له، في كل من دخل عيادة من خريجيه، في كل طبيب لبس الرداء الأبيض وقال: "أنا من مدرسة الدكتور راسم."

 رحمك الله يا حامل الحكمة والضمير، ويا من علّمتنا أن الطب  مهنة إنسانية ورحمه ، و موقف. أن الإنسان حين يزرع علمًا، يحيا إلى الأبد.


لكن الألقاب لا تروي الحكاية. الناس ترويها...



google-playkhamsatmostaqltradent